طينا القرآن الكريم تصوراً كاملاً عن الظالمين في آيات متعددة، ويحفزنا على الابتعاد عن تلك الأسباب التي تؤدي إلى الظلم.
ويمكن حصرها في الأمور التالية:
أ- جحد آيات الله والإعراض عنها: والجحد هو الإنكار.
قال تعالى
وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون) العنكبوت: 49. فإن آيات الله جعلت للهداية والإرشاد فإنكارها يستلزم ترك العمل بها وهو مقدمة للظلم بل هو الظلم بعينه، وإن هذا الظلم يستلزم الكفر كما قال تعالى في آية سابقة
وكذلك أنزلنا اليك الكتاب، فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به، ومن هؤلاء من يؤمن به، وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون) العنكبوت:47 وقال تعالى
ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق واتخذوا آياتي وما أنذروا هزواً ، ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها) الكهف:56-57.
ب- تعدي حدود الله: وهو عدم الالتزام بالطريقة الصحيحة، وهو مما يستلزم الانحراف عن الطريق المستقيم والوقوع في المتاهات.
قال تعالى
تلك حدود الله فلا تعتدوها، ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون) البقرة: 229.
حيث يظلمون أنفسهم بإيقاعها في الصعوبات والضنك من العيش، ويظلمون الآخرين بسبب إيجاد المشاكل المختلفة في المجتمع الناجمة عن تعدي الحدود.
ج- عدم الحكم بما أنزل الله: والفرق بينه وبين الأمر السابق، هو أن التعدي يكون من الناس والحكم يكون من القضاة أو الحكام، فإن المجتمع كثيراً ما يريد الالتزام بأحكام الله تعالى، لكن الجائرين يمنعونه من ذلك عن طريق تعطيل الأحكام الشرعية وتسليط القوانين الوضعية، التي هي عادة ما تكون سبباً لتقييد الناس وإيجاد الفساد، قال تعالى
ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) المائدة: 45 (فأولئك هم الكافرون) المائدة: 44 (فأولئك هم الفاسقون) المائدة: 47 ولعل تنوع التعبيرات لاختلاف درجة المخالفات.
هـ- اتباع الكفار:
إن من أهم أسباب تعطيل حدود الله والانزلاق في مهاوي البغي والضلال هو تسليط الكفار على المؤمنين، حيث إن الكافر يريد أن يطبق ما يعتقده أو ما يلائم مصالحه وشهواته، فيسير بالانسان أو بالمجتمع بما يضره ولا ينفعه، قال تعالى(يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آبائكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون) التوبة: 23.
و- اتباع الهوى: وقد أشار القرآن الكريم إلى أظهر مصاديق الظلم الناتج عن اتباع الهوى:
1: قصد إضلال الناس –لتأمين المصالح- قال تعالى(ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً ليضل الناس بغير علم) الأنعام: 144.
2: منع ذكر اسم الله –إذا تعارض مع المصالح- قال تعالى(ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه) البقرة: 114.
3: خذلان الحق وعدم الشهادة له، قال تعالى(ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله) البقرة: 140 وقال تعالى(ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذب بالحق لما جائه) العنكبوت: 68.
4: عدم اتباع الصدق ومحاولة تكذيبه –خوفاً على المصالح- قال تعالى(فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه) الزمر: 32.
واعتبار كل واحد من هؤلاء أظلم ليس إلا لجهة أن أساس جميع هذه الأعمال هو شيء واحد وهو الشرك والتكذيب بآيات الله.
فن التوحيد والشرك ليس كما يتصوره البعض من أنهما أمران قلبيان لا يؤثران في عمل الإنسان، بل الأمر بالعكس لأن التوحيد يفتح أفق الإنسان إلى اللانهاية واللامحدود ويخرجه من الفكر الضيق المادي عكس الشرك، ويتبين ذلك من حال العرب قبل الإسلام وبعده حيث كانوا أذلة خاسئين تحت لواء الشرك فتحولوا إلى سادة العالم حينما دخلوا تحت لواء التوحيد.